المكتب الرئيسي عدن

جلسة في التحقيق .. إيمان خالد

صوت المروحة القديم حزين جداً ، والضوء الخافت يزيد من حدةِ الاكتئاب ، رائحة الاعترافات المتعفنة كادت تخنقني ، نظرَ إلى عينيّ الضابط لمدة دقيقة تقريبًا ثم قال :

(ما اسمك ؟) قلت على الفور : “سموني سعيد.. لكنني لست كذلك ! “
ضحك بسخرية ثم سأل : وكم عمرك ؟ )

” على تقدير شهادة ميلادي ثلاثة وثلاثون ، أما على تقدير عذابي فهات حاسبة لنحسب “. قلتها بجدية

تجاهل ما قلت وأخذ نفسًا عميقًا وعاد يسأل “لماذا قتلت الطفلة حنان ” ؟

خيم الصمت قليلًا وبدأ صدري يعلو ويهبط ، وقفت ثمَّ عاودت الجلوس ، كأنني لا أدري ماذا أفعل.. بذلت جهدًا كبيرًا حتى أعيد صوتي ، ثم حاولت أن أرغم نفسي على الكلام وقلت :”عملي ، كما هو التحقيق عملك”.

رفع أحد حاجبيه وقال : “أي عمل هذا ؟؟ ثمَّ سأل بحرص وكم مرة قتلت ؟ “

ابتسمتُ نصفَ ابتسامة وقلت :
“ما رأيك بمن يسألك كم مرة حققت ؟”

رد بعصبية : يكفي ، أجبني إجابات منطقية ، ثم تابع هل هناك جماعة سرية تشتغل معها ؟ )

حاولت أن أجيب لكن الكلمات لم تخرج ، شعرت بالجفاف في فمي ، ووجدتني أقول : “وحدي أنا الجماعة”.

قال بنبرة قوية :(و من يعطيك المال مقابل هذا العمل) ؟

ابتسمت ابتسامة تشي بالألم وقلت : “عدو الضحية” .

( وما الذي يجعلك تقدم على القتل)؟ قالها صائحًا ، ثمَّ أخذ نفسًا عميقًا

مسحت شعري ثمّ ذقني ، وقلت شاردًا : “زينة الدنيا ،المال.. ومن غيره ؟!

قال وهو يحك أذنه بخنصرهِ بشكلٍ سريع : ) وماذا تفعل بالمال ؟ ).

لقد تغير طعم فمي بعد هذا السؤال ، وكأنني شربتُ دمًا ، قلت : “أرسله لأهلي.. إنهم بحاجة ماسة له” .

بدأ رأسي يؤلمني قليلًا ، وابتلعتُ ريقي بصعوبة ، ماذا لو أنهم لم يصدقوني وسجنوا أهلي معي ! يا رب أريد أن أتحمل ذنبي وحدي.

قال بعد أن لاحظ خوفي :(أسرتك تعلم من أين تحصل على المال ؟)

لم يبدُ على وجهي أي تعبير ، وقلت : “لو كانت تعلم لماتت أو متُّ أنا”.

وكأن نور المكتب قد انطفأ فجأة ، وخلت أني سأعيشُ في هذا الظلامِ إلى الأبد ، أطبق عينيه قليلًا وقال : (كم عدد أفراد أسرتك ؟ )

ابتسمت ابتسامة طفلٍ رضيع حين تذكرت أسرتي وأجبت : “لدي أم وأختان ، الكبرى تزوجت وتطلقت ولديها أربعة أطفال وتعيش في بيتنا ، والأخرى لم تتزوج “

عشنا بصمت لبضع لحظات ثمَّ قال : مانوع الأسلحة التي تقتل بها ؟)

_ الرصاص ، السكين ، وأضفت مؤخرا السم.
قلت الأخيرة وقد اعتراني احساس غريب !

سأل : ( وما الذي جعلك تجيء بقدميك وتعترف ؟
وحين لم يأته أي رد ، عاد يسأل ساخرًا : هل صحا ضميرك فجأة ؟ )

قلتُ هامسًا : ” في الحقيقة أنا مت عند جريمتي الأخيرة ” ثم رفعتُ صوتي ” وجئت هنا لأدفن فقط مع أني لا أستحق الإكرام ! “

سادت لحظات من السكون ، فقال خارجًا عن صمته :
( هل تعلم ماهي عقوبتك ؟ )

أحنيت برأسي ، ورحتُ أفكر.. ثمّ قلت : “ترى ما هي عقوبة المجرم بعد أن يموت ؟ “

قال بصوتٍ واضح : يموت مرةً أخرى.)

شعرت بأنَّ هنالك أشياء داخل رأسي تتحطم ، وأن شعري سيتساقط على الفور ، أغمضت عيني وأنا أسأل : ” كم مرة يموت الإنسان ؟ “

نظر إلي نظرة تشي بالتعجب ، والاستهزاء ، وقال آمرًا : توقف عن الأسئلة ، أنا من أسأل فقط)

أخذت نفسًا عميقًا كما لو كانت هناك يد تخنقني وبعدت للتو ، حركت شفتي ولكنني لم أنبس بكلمة ، وبعد لحظات على هذه الحال قلتُ أخيرًا : ” ترى ماذا سيكون سبب موتي هذهِ المرة ؟ “

ابتسم بسخرية ووضع يده على ذقنه وقال :(وماذا كان سبب موتك في المرة الأولى ؟)

” قتلني قَتلُ طفلة ” !

قلتها وتوقفت عن الحركة.

Comments are closed.