المكتب الرئيسي عدن

حنا أبو حنا.. رحيل عرّاف الكرمل

عن أربعة وتسعين عاماً، رحل، مساء اليوم الأربعاء، الشاعر والمربّي الفلسطيني حنّا أبو حنّا، في حيفا المحتلّة، تاركاً وراءه عقوداً طويلة من الإنتاج الأدبي والعمل الثقافي والوطني والتربوي.

ينتمي أبو حنا، الذي وُلد في قرية الرينة، شمال شرقَي الناصرة، عام 1928، إلى الجيل الأوّل من شعراء المقاومة الفلسطينيّين، وترك أثره في الأجيال التي أتت بعده من شعراء فلسطين.

ونعت “جمعية الثقافة العربية” في حيفا الشاعر أبو حنا، عضو هيئتها العامة، مشيدةً بدوره “مُلهِماً ومساهِماً في صناعة الثقافة وهويّتها الوطنية في الداخل الفلسطيني من خلال مساهماته الغنية في الأدب والتعليم والصحافة والمسرح والموسيقى”.

عمل أبو حنا مديراً لـ”الكلّية الأرثوذكسية العربية” في حيفا حتى عام 1987، وهو من أكثر الشخصيات التربوية احتراماً في فلسطين المحتلة عام 1948، ودرّس بعدها في عدّة كليات ولم ينقطع عن المساهمة في الشأن العام حتى فترة قصيرة قبل أن يشتدّ عليه المرض.

شارك الراحل في إصدار مجلّة “الجديد” عام 1951، و”الغد” عام 1953، و”المواكب” عام 1984، و”المواقف” عام 1993. كما ساهم في تأسيس “جوقة الطليعة”، وكان عضواً في الهيئات الإدارية لعدّة مسارح فلسطينية، إضافة إلى أنه ترجم نصوصاً من المسرح العالمي.

بعد ديوانه الأوّل، “نداء الجرح”، الذي صدر عام 1969، نشر حنّا أبو حنّا ما يزيد على ثلاثين عملاً بين شعر ونثر وأبحاث في السرد والأدب والتعليم، مثل “قصائد من حديقة الصبر” (شعر، 1988)، و”عَرّاف الكرمل” (شعر، 2005)، و”رحلة البحث عن التراث” (دراسة، 1994)، وقد صدرت أعماله الشعرية الكاملة عام 2008.

كما دوّن سيرته في أكثر من كتاب، مثل “ظل الغيمة” (2001)، و”خميرة الرماد” (2004)، وله في النقد الأدبي والتراث الشعبي والتاريخ الثافي أعمالٌ من بينها: “عالم القصّة القصيرة” (1979)، “دار المعلّمين الروسية” (1994)، وله في التحقيق “روحي على راحتي: ديوان عبد الرحيم محمود” (1985).

رغم عيشه في مناطق مختلفة من فلسطين إلّا أن أبو حنا ارتبط بمدينة حيفا التي استقرّ فيها في العقود الأخيرة، والتي يصف جمالها في أحد لقاءاته الصحافية بأنه “جمال مأساويّ عميق الجرح”، مضيفاً: “فأنا الذي عرفت المدينة قبل النكبة، عندما كان يعمرها سبعون ألف فلسطيني، ثم كانت النكبة فلم تُبْقِ إلّا ثلاثة آلاف، واحتلّ بيوتَ مشرَّديها غرباءٌ، وهُدِّمت أحياءٌ وغُيِّرت أسماء”.

وتظهر في شعره ملامح الجمال المأساوي لحيفا وأثر الاحتلال ومقاومة المكان وأهله للمشروع الاستعماري الصهيوني وتمسّك الإنسان الفلسطيني بأرضه وهويّته العربية. يصف في إحدى قصائده، حيّ “وادي الصليب”، الذي هجّره الاحتلال عام 1948 وبقيت بيوته مغلقةً لعقود بما يشبه متحفاً كبيراً للنكبة:

“لقيتكِ تَسْتَنْبِتينَ الدّموعَ بوادي الصّليبْ
رأيتُ البيوتَ تُكَمُّ
ويُـقعي السّكونُ دماً لزِجاً في الدّروبْ
تُعَمَّى النّوافذُ بالطّوبِ، يَنسج أكفانها عنكبوتْ
ويهرب ظلّيَ منّي يُحشرج بين ضلوع البيوتْ
وتنفر ذاكرةُ العشب من تحت إبطِ الحجرْ
وساقِ الشجرْ
وتغلق بذرةُ نرجسةٍ كفَّها في التّرابِ
على خلَجات المواسم
ودالية قوّضوا عرشها
تخبّي الشّموسَ وبَوْحَ الحمائم
يقبّل خطويَ خـدَّ الأديم
وشوق الدّيار احتراق دمٍ وعتاب نبيّ
أنادي
ولكنْ صدايَ يعود إليّ
وأثقب من خرزات الدّموع قلادهْ
ومسبحةً للعبادهْ”.

حيفا

Comments are closed.