صار الحقلُ بعيداً عن أهله
تدفعينهم بيمينك
هؤلاء شُبّانكِ وفتياتُكِ أيّتها البلاد
منظرك البهيّ على الضفاف والمنحدرات
وحماسك الفيّاض في الشارع حين تشيخين
إنّهم السواعدُ التي تدفع عَرَبَتك المعطّلة على ناصية التاريخ
والأظافر التي تخمشين بها
ووقودُك في المعارك، سريع الاشتعال والانطفاء.
هؤلاء أبناؤك وبناتك أيّتها البلاد القاسية
الذين يغادرونك دامعين
رغم علامات السِّياط على ظهورهم
والكوابيس التي تُطاردهم في المنامات
الذين يسيرون في وحول هذا العالَم
وتنهال عليهم الهراوات
ويتحوّلون إلى كائنات هلاميّة
شفّت من الأسى
وشابت من الهمّ
وكبُرت في العمر قبل أوانها
لأنها حاولت تغيير هذا العالَم الذي لا يتغيّر.
إنّهم ضوء عينيك في المفازة المُعتِمة
أيّتها العجوز الخرِفة
التي تخاف من تغيير مكان الأكواب والملاعق
وتنظر بشكٍّ إلى كلّ مَن يتكلّم عن الغد
وتحطّمه بالرصاص والسواطير وقلع الأظافر
فيما تستسلم للجزّارين وقطّاع الطرق
دون أية مقاومة.
هؤلاء ضحاياك الذين يسامحونك
ويبحثون عن أيّ شيء يُذكّرهم بك في المنافي
أو يحمل رائحتك
حتى لو كانت رائحة محروقات وقمامة وطعام عَرَبات.
هؤلاء نُشَطاؤك وناشطاتُكِ
المختلفون والمتنوّعون
الذين تريدينهم نسخة واحدة
إنهم يحاولون انتشالك من تحت بسطار الجنرال وعصا الشيخ
وأنت تدفعينهم بيمينك
إلى الخنادق والسُّجون والسَّفارات وخطوط الكوكائين والمعالجين النفسيّين
يتحدّثون بعيون مطفأة
ويشعرون بالذنب إذا مرّوا بلحظة فرح.
إنهم يضعونكِ وشماً على الكتِف
أو قلادةً في الجيب
أو صورةً على سطح المكتب
وأنتِ
تشعرين بالعار
إذا ذُكرتْ أسماؤهم.
مصعب النميري
Comments are closed.