كما يتطلّع أحدهم إلى النجوم
لمن تكتب؟
لا تطرح سؤالاً كهذا على شاعر. إنك كمن يسأل حقلاً من الزهور: لمن تُزهر؟
■
الكتابة كسل. نوع من الكسل المستبدّ.
■
الشاعر يُكسب المرئيَّ بُعداً لا مرئياً، إنه صانع مساحات إضافية، تفترض وعياً متجدّداً.
■
في الرواية، يمكنك أن تتكلّم في كل شيء. في الشعر عليك أن تجعل الصمت يتكلّم.
■
هل تتبخّر السحابة أم تموت؟ هل تَنفق الزرافة أم تموت؟ من يشغله التأمُّل يصغي داخله. من ينحني امتثالاً لقواعد النحو، حتماً سيكون قد فتح فاهه. كلُّ شيء جاهز في القواعد لإعدام الشِّعر، لنسف الأسئلة.
■
الشِّعر وعي ثوريّ يثور على القراءة العقلية النمطية للوجود.
■
لم أومن بأيّ كتابٍ إن لم يتشرّب أقصى حدٍّ من العزلة.
■
القصائد العميقة ليست للإلقاء، إنها للهمس أو القراءة فقط. كيف نُلقي لغة الصمت جهراً؟
■
ها أنا أرتفع عن الأرض بالكحول، كحول النص الذي كتبته للتوّ…
■
أعرف أنّ ما ينقذني… ليس هو التفكير الحذر في المستقبل، بل إغراق نفسي في اللحظة، خصوصاً تلك التي يشعر فيها جلدي بقشعريرة لكوني موجوداً ككلمات، ليس أكثر.
■
الكتابة تحتاج إلى جرأة. طبعاً لا أقصد تلك الجرأة التي تعني دائماً ما يقصده الكتّاب المتبجِّحُون. ما أقصده هو جرأة قلب الطاولة مع الأسلوب، مع النظر إلى ما حولك في داخلك.
■
الجمالُ أكثرُ من تناسب في الشكل. هذا هو ما عليه حقّاً المرأة الجميلة وقصيدة النثر.
■
الشّعر شيء عظيمٌ، إنّه يبتعد، ينأى… ويبرد. لقد بتُّ أتطلّعُ إليه، كما يتطلّع أحدهم إلى النجوم.
■
أعيش تحت وطأة شعور عميق باللاّ انتماء، إلاّ إذا نظرتُ أبعد، حيث ينبثق شيء من العدم: إنّني جزء من غبار النجوم.
■
من يكتب الشعر – اليوم – عليه أن يتحمّل العزلة، بل عليه أن يجعل من نفسه كائن عزلة. لا يتحقّق الشعر – الناصعُ – إلاّ مع ذلك. السمكة بأعجوبة لا تختنق في الماء، كذلك على الشاعر أن يربّي خياشيم وزعانف أيضاً ليُبقي على تنفّسه في مياه العزلة مُمكناً. إذا لم يتحمّل عزلته سيختنقُ ثمّ يموت. ولن يأسف على مصيره أحد.
■
فعل الكتابة لا يستجدي إعجاباً؛ إنّه تصفيةُ حسابات من نوع خاص، ظلّت عالقة مع الوجود.
■
كاتبُ هذه السطور ليس بشخص. إنما وعي كامن في احتمالٍ، مُذيَّل بِاسْمٍ.
■
القصيدة حين تقولُ، لا تقول تماماً… إنّها كمن يرشّ ماء على الأرض، فتشمُّ أنت ما كان خفيّاً: عبق التراب.
■
الشِّعر ليس ثوباً للظهور، بل طاقية للاختفاء حتى لا يظهر منك سوى تلك الشعلة الصغيرة في ليل الضباب. هذا هو الشِّعر.
■
الإبداع الفنّي ليس مدفعاً في مواجهة عالم البلهاء، لكنّه باب سرّي يُفضي إلى النجاة منه.
■
حين تكون شاعراً لا تطلب من المطر حصاداً وفيراً، بل اهفُ إلى الغيم كي يبلّلك.
■
الشعراء وهم يرفرفون نحو الشِّعر، لا يدركون أنهم ينتهون في سطور القصيدة، كما تنتهي الفراشة محترقة بالضوء.
■
كلّ هذا الصمت حولي ينجح في قراءة الداخل، الأعماق. الضجيج لا يقرأ، الحركة اليومية جاهلة.
■
أحب الانزواء بعيداً، ومراقبة الطيور والسماء، شيء ما يلوّح في تلك الشساعة. حين النظر إلى الأعلى… الأرض تبدو بهيجة.
■
تعبتُ من الوجوه… أرتاح أمام الأزهار، كلّها متشابهة في نسق مريح.
■
الإنسان رائع، لقد أوجد شيئاً كالتشيلو والفلوت والسينما والشِّعر، للتعبير عن روعته. ثم إنّه منحط لأنه يظهر جشعاً وخسّة لا تحد سُخّرَت لتدمير كل روعة.
■
أجد نفسي مضطرّاً إلى أن أشكّل مفهوماً مغايراً عن الحياة، مفهوماً جديداً في كلّ مرة ينقذني من الرتابة والضجر. من التلاشي، كرغوة الصابون في بانيو الحمام. إنّني كائن هشٌّ للغاية أمام تقلّب الحياة. وقوتي هي في بناء المفاهيم.
■
الكآبة هي توبيخ العادة. وبحث قلق عن منفذ إغاثة في الوجود.
■
كلُّ لحظة أعيشها بعد الأربعين، هي ربح مجانيٌّ. ذلك أنّ الخسارة لا توجد [بالنسبة إليَّ] إلاّ هناك، مستلقية وسط حقل الصمت قبوراً قديمة، لرفاق طفولتي العِظام.
■
في رخامة القبر أرى كم هي الحياة هائلة، وغير مدركة على النحو الذي ينبغي.
■
لن ننجو من الحزن، من الفقد والموت الذي يجعل الحياة ظلاماً. لكنّ الشّمس مشرقة إلى جانب ذلك بقوّة، والأرض مزهرة مع ذلك.
■
تتقطّع السبل في حالة واحدة. عدم وجود فرصة لتوجيه الماضي الذي انبنت عليه اللحظة.
■
وعيُنا في الطفولة مهيّأ ليرتب لنا الجنّة على الأرض. دخولنا الجحيم يكون تالياً، بسبب وعيٍ شقيّ.
■
اليقين هو تزجية بعض الوقت في الإيمان الراسخ بشيء محكوم بالتغير.
■
للحياة قوانين لعبة. الموت خروج عنها، تمرُّد لافت. فجأةً، يُسحب كالدخان ذلك الميت الذي كان بيننا لتوّه يضحك، كما لو عبر مدخنة، قالباً الحياة في وجوهنا كالطاولة، مشتّتاً أذهاننا كتركيبات البازل.
- شاعر من المغرب
منير الإدريسي
Comments are closed.