المكتب الرئيسي عدن

أم عويوي

قطعت الشارع الاسفلتي على عجل ، لهيب “الدامر الاسود” أوجع أسفل قدمي، شيئ فاتر يمشي معي ، اه نسيت أني حافي القدمين، وما ذاك الذي علق براحة قدمي ،بعرات، سحقا لأبي مندر وبعيره، حلقي يتلاشى فيه غبار الماء، من نحو ساعة، قد كنت في البيت، فلماذا لم أرو عطشي ،هل انا احمق ؟ اكيد !!وهل تحتاج لسؤال ، احمق وابن احمق .. رأني علي حارق الوجه، :” هيه؛ أيها الصغير ، هل فاتني شيئ” أبتسم الغبي ولم يرد.
التحمت بالمدافع ودفعته ،قذفت الكرة فلامست يد الخصم ، صحت:” ضربة جزاء” لكن الحكم تجاهلني واحتسبها ضربة مرمى، تنهدت ” ماذا سانتظر من ابن عيشون ” اقترب علي وهمس في اذني :”لقد انتهى اللعب ،هاهي جاءت” طويت بصري بسرعة ودفعته يغوص عند دار (ام عويوي) الطيني. . انتبهنا وهي خارجة من دارها ، فاجتمعنا نحن الصغار نخطط شرا مستعرا .
لاحت وهي تتقدم ماشية بعصيها الثلاث منطفئة الملامح ، لفت رأسها بشرشف ممزق ، طوته مرات ، أبقت على أنفها الخشبي ضاهرا ، تعلوه حفرتان مبيضتان دون اهداب، يستحيل أن ترى بهما شيئا .
تحلقنا حولها ونصبنا دائرة ..
: ام عويوي.
: هاه ماذا تريدون يافتيان.
: إلى أين ياخالة؟.
: عند عوض .
:عوض من ؟
: اخوي .
: عوض الا مات ، في طريق عينات ،عوض الا مات ، في طريق عينات .
تجمد الدم في عروقها، أصدرت فحيحا ساخنا من بلعومها، قبل أن تشق الصمت إلى قطع صغيرة . صاحت بوجع، كأن كسفا من السماء نزل للتو على رأسها ، انهالت بعصاها علينا، تترقب سماع الأصوات ، لتمد عصاها تجاهه،.
الله .. ما احلى تلك الساعة، نقترب قيد أقدام إليها ، ثم ” انا هنا يا ام عويوي”
لن أنسى ذلك الشعور ما حييت ، تراقصت كثعبان شارد ، نتعرض لها أينما ذهبت ، ودائما ما تحدث المعجزة، يأتي أحد الكبار ويخلصها من نصب الشرك الذي نصبناه.
في الحقيقة يخر ذاك الجسد الذاوي المرتعش منهكا حينما تصل النجدة ، عدى ذاك يضل يقاوم طيشنا .
نتركها والاعياء قد استبد بنا ،
“متعة والله ما بعدها متعة “
استلقينا على التراب ، وضحكنا كثيرا .
تعاود النهوض ، تشم أجسادنا ، تسرع بالمشي ،ويلفها زقاق طويل غشيته بعد عناء مرير، وتبعتها بفضول إلى حيث ذهبت..

في المساء تلقفتني أمي، مطت أذني حتى لويت شدقي تجاه يدها من الألم ، :” لست انا بل هم أبناء حارتنا” غرست ضفرها في شحمة أذني ، ما اقساها، : ” ولماذا تبعتها إلى دكان الحلاق ” .. جاء صوت أبي خافتا،منقذا ، :” دعيه ينام الان فحسابه عندي غدا ” طويت الغطاء علي ولم ابدي اي حراك.
سمعت همسا .:” عليك ان تؤدب هذا الصبي فقد ارهقني. لقد تبع أم عويوي ، أن مسكته ستشج رأسه”
ضحك بصوت خفيض.
: اه من الحب.
: ماذا الآن .
: ألم تعلمي أن ام عويوي تتوقف طويلا عند مدخل دكان أبو عميران ، يقولون انه شغفها حبا .
: اخزاها الله هذه العمياء ، او تفعل !!!.
قبلة طبعها على خدها ، ازداد رقة :” هيا بنا نلعب”
حدجته ، مد يده ،لامس شيئ ما تحت خصرها، فتململت :”جميع من في هذا البيت أغبياء ، وأنت كبيرهم يا قلبي.
ضحك أبي أولا ثم ضحكت .
قامت وفتحت الباب وتبعها، اوصده وراءه بهدوء.
وتركوني في حيرة اتسأل ” أي لعبة سيلعبون

محمد باسنبل

Comments are closed.