المكتب الرئيسي عدن

“المجتمع الآتي”: في استشراف سنوات عنوانُها الأزمات

يُعَدّ الطبيب والباحث في الأنثروبولوجيا، ديدييه فاسّان، واحداً من أبرز المراقبين للتغيّرات التي يعيشها بلدُه، فرنسا، والعالَم بشكل عام؛ حيث تشمل مروحة أعماله مواضيع تبدأ بالصحّة وتمرّ بالفقر وبـ”الصعود” الاجتماعي لأبناء الضواحي وبغياب العدالة الاجتماعية، ولا تنتهي بقضايا العنصرية واستغلال المهاجرين وإغلاق الأبواب أمامهم.

ولا يدّعي فاسّان الحيادية في أعماله هذا، رغم صرامته العِلمية – التي أهّلته ليكون أستاذاً للكرسي السنوي الذي خصّصته “كوليج دو فرانس” للأبحاث في الصحّة -، فهو يختار مواضيعه ويعالجها من وجهة نظرٍ نقدية لا تتردّد في تسمية سياسات الهيمنة والاستغلال.

عن منشورات “سوي” في باريس، صدر قبل أيّام كتابٌ من تحريره وإشرافه، حمل عنوان “المجتمع الآتي”، وشارك فيه سبعةٌ وستّون باحثاً من مختلف حقول البحث العِلمي، ولا سيّما الاجتماعي (الفلسفة، النقد الأدبي، العلوم السياسية، الاقتصاد، القانون، التاريخ، علم الاجتماع، الأنثروبولوجيا، إلخ.)، مقدّمين أوراقاً حول المعضلات التي من المتوقّع أن يواجهها المجتمع الفرنسي، والمجتمعات المعاصرة بشكل عام، في السنوات المقبلة.

يُشير ديدييه فاسّان إلى أنّ السنوات القليلة الماضية علّمتنا أن “لغة الأزمة” باتت لُغةً شائعةً لعالمنا المعاصر؛ إذ لا نكاد نفكّر في أزمة الديمقراطية والشعبوية السياسية حتى تندلع أزمةٌ وبائية، بينما تستمرّ أزماتٌ مثل الاختلال المناخي وغياب العدالة في الظلّ منذ عقود، ما يدفعه للتساؤل إن كانت الأزمة ستصبح “المعيار” الذي يُحْكَم من خلاله على عالمنا الراهن، وإن كنّا، بالتالي، سندخل منطق الحلول العاجلة والإسعافية على هذه الأزمات المتتالية؟

يرفض الباحثون المشاركون في الكتاب الاستكانة إلى هذا الحلّ، مفضّلين – بحسب تقديم فاسّان – النظر إلى ما يُسمّى بالأزمات بوصفها لحظاتٍ حرجة تستدعي تفكيراً جماعياً متأنيّاً من أجل الوصول إلى أشكالٍ من العيش والاجتماع البشري جديدة ومناسبة للتغيُّرات.

الكتاب الذي يتناول مواضيع مختلفة – مثل التفاوُت الاجتماعي، والعولمة، والتمييز، والعنصرية، والعصيان المدنيّ، وسياسات مواقع التواصل، والاقتصاد التعاضدي – لا يكتفي بتقديمٍ وتشخيصٍ للأزمات الراهنة، بل يقترح حلولاً لها، محاولاً استشراف المستقبل وتجنّب الصيغة الأكثر سوداويةً منه.

باريس

Comments are closed.