أسمعُ دمعَهم يُلاطمُ الموج
رماديٌ من بلدٍ رماد
أذهبُ إلى البحرِ وَحدي
رماديٌّ من بلدٍ رماد،
لا ياسمينَ في جيبي
أُهديه للشاطئ.
أذهبُ من أجلِ سينما سماويّة،
من أجلِ صلاةٍ مُؤجَّلةٍ،
من أجلِ طفولةٍ لا زالت ضائعة.
أذهبُ لأبحث عمّن يذهبونَ إلى البحرِ وَحدهم…
لكنّي أتجمّدُ على الكرسيّ هُناك،
لا أجرؤُ على المشي جنباً لجنب
مع كلِّ هذه الأمواج.
أتجمدُّ على الكرسيّ هناك،
لا شيءَ آخرَ يُمكن أن يفعله رماديٌّ مثلي
أمام كلّ هذه الزُّرقة.
■ ■ ■
معهم يستيقظُ البحر
أجلسُ على الشاطئِ
أتأمّلُ بائعَ البطاطا الحُلوة
وبائعَ شَعْر البنات وعنبر التفّاح،
بائعَ برّادِ الليمون وبائعَ المكسّرات،
بائعَ ألعابِ البحر وعربته الملوّنة،
أتأمّل الخيلَ والجِّمال ومن فوقها الأطفال،
أنتظرهم ليمرّوا أمامي
من أجلِ صورةٍ على الأقلّ.
هؤلاء هُم أصحابُ البحر،
الشاطئ سوقُهم،
معهم يستيقظُ البحرُ
ومِن بعدهم ينام.
مع الغروب،
كُلَّما أدنيتُ محَّارةً من أُذني
أسمعُ دمعَهم يُلاطمُ الموج!
■ ■ ■
بيننا كلامٌ كثير
الذي أتى بكَ إلى شاطئِ البحر
هو ذاته الذي أتي بي،
يا سفينة الصحراء.
أنا مِثْلُكَ
لا أُصدِّقُ ما يرونه من اعْوجاجي.
أنا مِثْلُكَ،
لكنْ – يا حسرتي –
ليسَ لِيْ خُفّين.
ارقُدْ بجانبي أيُّها الجَمَلُ،
بيننا كلامٌ كثير.
أنا أيْضاً لا يهمّني الموجُ،
أرى البحرَ كلَّه سطوراً بيضاء!
ارقُدْ بجانبي…
■ ■ ■
أتعبُ مع الشمس
عملٌ شاقٌّ أنْ أصلَ البحرَ
بحثاً عن الظّلال،
عملٌ شاقٌ أنْ أُغادرَه
هرباً من الغروب.
كُلَّ يومٍ أتعبُ مع الشمس،
أيُّها البحر
وما تعبَتْ يوماً أمواجُك.
■ ■ ■
لن أدخل المشهد
أتيتُكَ من الضوضاء والفوضى:
هواؤُكَ
هو الصوتُ الوحيد الذي أودُّ سماعه،
موجُكَ
هو الشكلُ الوحيدُ الذي أريدُ أن أراه.
لكنِّي لن أسبحَ فيك،
أو حتّى أُحلِّقَ فوقك.
سأبقى على الشاطئ
لأنّي أخافُ كلَّ الحزن وكلَّ الفرحِ
سأكتفي بالشمس.
أمواجُكَ داخلي أيها البحر،
عصيّةٌ على الفهم، عصيّةٌ على النسيان.
■ ■ ■
فجأةً أتذكَّرُ يأسي
أين كنتِ يا سماء
وبيوتنا تُقصَف؟
أين كنتَ يا بحر
ونحنُ نَتَفحَّم؟
■ ■ ■
بضعُ دمعاتٍ فقط
لطالما تمنّيتُ لو عانقتْني السماء،
لو مسحَ دمعيَ البحرُ،
غير أني كُلّما أمطرتِ الغيومُ احترقتُ،
وكُلّما تحرّكَ الموجُ احترقتُ.
في الوقتِ الخطأ،
بضعُ دمعاتٍ فقط
تُشعِلُ كلّ شيء.
تتركني من بعدها
أحترقُ في غرقي،
أحترقُ في سقوطي.
■ ■ ■
قوارب مكشوفة
لستُ أكثر من خيمة على الشاطئ،
والناسُ في عرْض البحر
قواربُ مكشوفة.
أُجدِّف في ذاتي الحالكة
مبتعداً عن الزمن،
لا أبحثُ عن مرسى
ولا حتى يهمّني طوق النجاة.
لستُ سوى سمكةٍ ميتة.
■ ■ ■
أُدركُ حجم الكارثة
عادةً ما يكونُ هناك أطفالٌ على الشاطئ
يستحمّون بالرمل والماء،
ينسى الكُلُّ أنَّ شاطئنا لا يصلحُ لأشياءَ كهذه.
وحدي أتذكَّرُ مِلْحَ الحروب،
وأُدركُ حجمَ الكارثة.
كُلَّ مرّةٍ أجدني أُفتِّشُ عن أطفال عائلة بكر،
لمْ أجدهم يركضون في شوارعِ المدينة.
على شاطئ بحر غزة
وحدهم ما زالوا يركضون في تلك الصورة!
■ ■ ■
سنتركُ البحرَ وحدَه
فقطْ عِندما أكونُ على الشاطئ،
أتذكَّرُ الغيوم في السماء.
بعضها سبقَني إلى هناك،
بعضها وصلَ معي،
وكلُّنا بعد حينٍ
سنتركُ البحرَ
وحده
يُمجِّد ذكراه.
- شاعر فلسطيني من غزّة
- يحيى عاشور
Comments are closed.