زهرة رحمة الله
– يجب ألا تتحدث بهذه الأمور.. تقول زوجتي وهي تشيح بوجهها إلى الجهة الأخرى.
– إذا رأيت منكراً غض الطرف.. إنها الطريقة المثلى للتعامل مع الأمور..
– إن تلك المرأة ترفع ضغطي والسكر في دمي.. أثقب وجهها بعيوني.. بعدم صديق.. أصرخ فيها بغضب..
– أقول لك بأنني رأيت زوجة المدير مع موظف في الشركة في وقت غير مناسب ووضع غير مناسب تقولين غض الطرف..- ماذا كانت النتيجة حين حدثت المدير بالموضوع..؟ تسأل بالتهكم وهي تفترسني بعينيها الحادتين..
– زوجة المدير ذهبت إلى القاهرة في رحلة صيفية والموظف لا زال هناك يتقفز مثل الحمار بين المكاتب..
– وأنت أأنت..؟
– أنا هنا في المنزل في إجازة إجبارية وبدون مرتب.. أقول بانكسار وعدم الحيلة.. في الشارع..
– أقول لأبي علاء صاحبي بأنني رأيت حارس الشركة يسرق بضاعة من الشركة.. فذهبت وبلغت المدير فسألني المدير ماذا كنت أفعل هناك في ساعة متأخرة من الليل؟- أجبت.. سألني أبو علاء بفضول وهو يوسع عينيه على الآخر.
– لا لا شيء.. أحسست بالذهول وبأن شيئا ما ضربني على رأسي.. بعنف كرر المدير السؤال.. حاولت أن أبحث عن الإجابة لكنني فقدت ذاكرتي.. كان رأسي كالنفق المظلم يعمه الدخان.. ووجدت نفسي في مركز الشرطة… في الزنزانة بين السكارى والمخبولين..
– أحسست بفراغ هائل.. أين حواسي؟ أين أفكاري؟ أين هويتي؟.. يقترب أبو علاء مني ويهمس في أذني
– إذا رأيت المنكر غض الطرف..
– أنك تتحدث مثلها.. أقول بحزن…
– لماذا أنا أرى والناس…؟ يقاطعني صاحبي- الكل يرى ولكن يتكيفون..
أنظر إليه مصعوقا كأنني أكتشفه من جديد.. صديقي منذ أيام الدراسة لم نفترق إلا قليلا.. أمور كثيرة كانت تجمعنا واليوم كأنني أراه أول مرة.. هزيلا هرما وجهه الأسمر محروق من كثرة تجواله تحت الشمس بدون هدف.. اليوم يحاول ألا يفهمني.. أتركه وأدفن نفسي في الزحمة..
في الطريق..
الحرارة والغبار والصراخ وأبواق السيارات والناس من حولي عائمة في ألية وفتور.. أحس بضغط دمي يهدر في صدغي ورأسي يغلي كالمرجل.. أبحث عن مقعد أجمع جسدي وشتات أفكاري وروحي الحائرة.. في مقهى قريب القيت نفسي على مقعد حاولت أن أبحث عن الهدوء في تلك الفوضى المنفلتة دون جدوى.. هل أعود إلى المنزل حيث زوجتي ولغتها المنشارية تكوي روحي؟..تلك المرأة الجميلة الرقيقة غدت شرسة قاسية.. هل أذهب إلى الشركة من سيستقبلني؟ هناك زملاء لا يكادون يلقون التحية أو يسألون عني بالهاتف.. لا أحد في الشركة يرحب بي أو ينظر في وجهي.. كنت أشعر بإرهاق شديد.. لم أنم ليلة البارحة الزنزانة كانت ضيقة مكتظة ورائحتها عفنة.. مكان غريب يطبق على أنفاس أولئك البشر بسحناتهم الغاضبة القاسية.. الكالحة.. وقفت على قدمي وفكرت العودة إلى المنزل أنه وقت القيلولة والزوجة في غرفتها نائمة.. سأتسلل إلى غرفة الجلوس وأحظى بقسط من الراحة..
وضعت رأسي على الأريكة وغبت في نوم ثقيل.. لا أدري كم مر من الوقت حين فتحت عيني كان الظلام دامسا والجو حارا والأشياء من حولي غامضة الملامح والصمت ثقيل..أين ستكون زوجتي..؟ فكر ثم أحجمت عن التفكير فيها وفتحت الباب وتسللت إلى الخارج.. في الخارج كان كل شيء يكتم أنفاسه والجو خانقا لا نسمة هواء تهز أوراق الأشجار في الرصيف المقابل.. والسيارات تعبر الطريق مسرعة هاربة في الاتجاه الآخر.. قدماي قادتني إلى بوابة الشركة شيء ما هزني بعنف تلبستني يقظة فجائية.. إضاءة مبهرة وأفراد مجهولون منتشرون كالنمل.. وبسرعة فائقة يفتحون الطوابق الصفيحية للشركة والحيطان ويطوونها وبلمحة البرق يلقونهما في الشاحنات.. استدرت إلى الخلف ورحت أعدو بشدة أسابق الريح اقتحمت غرفتها ورحت أصرخ بجنون..
– إنهم يسرقون الشركة.. يطوونها يسرقون.. لقد رأيتهم.. قذفتني بنظرة متهكمة غاضبة لسعت وجهي وعادت للنوم..
– أن أبلغ المدير أبلغ الشرطة أقدم بلاغا للحكومة.. فالوضع خطير.. رحت أركض إلى خارج المنزل مندفعا بغير هدى.. لا أدري كم ركضت وأين.. لكنني حين وقفت كان ضوء النهار يلامس الأشياء ويعطيها الحياة والصفاء.. كنت دوما أعشق لحظات انبلاج النور واستقبلها دوما بحب ونشوة كل شيء ينتفض بالحياة من حولي.. لكنني لا أعي شيئا الإرهاق يقتلني.. وقدماي لا تكاد تحملني وأسمع صرخات خلفي التفت إلى الوراء وأنا أغالب غيمة سوداء تخترق رأسي رأيت خلفي صبيان يحملون الحجارة والعلب الفارغة
ويهتفون.. المخبول المخبول..
Comments are closed.