مَنْ نَسَجَ البحرَ لي
(إلى إبراهيم المعمري)
أدخلُ مسقط
مثلَ ممثّل إغريقي يعودُ إلى دوره
في تراجيديا مُعاصِرة
على مَسرَحٍ عَظيم،
الجِبالُ خَشَبَتُهُ
البَحْرُ سِتارتُهُ الزّرقاء.
والتضاريسُ مسوّدات في محترف إله.
تُرى، مَنْ نَسَجَ البَحْرَ لي…
أدخلُ ومعي المدى المتخثرُ
والمَغاربُ
الشُّرفاتُ الرّجيمةُ والجنوبُ
المهاجرُ
بغداد ظهيرةٌ في حقيبة
تكدّستْ فيها مناديل ودفاتر،
يستجوبني فسيلُ نخلةٍ
ما زال يرضعُ
من ثديٍ بلاستيكيّ أسود
لأُمّ أعذاقها تقطرُ شهداً.
أدخلُ
طيفاً يُخاتلُ يقظتَه
طريقاً تقفلُ راجعةً
وغياباً يجفّ كجدول ماء..
أقلّبُ الحاضرَ
ثم أطويه شراشفَ ووسائدَ
وأوعيةً من فخّار متشقّق
داخل خزانة أبنوسٍ صينيّ
أتمدّد فوق كرسي الخشبي
سربَ طيورٍ يحطّ على غصنِ
شجرةِ لُبانٍ
بعد آلاف الأميال في الآفاق.
أدخل محمّلاً بتضاريسي
كجملٍ بسنامه
وقد صرت خيمةً لإيواء الكيان
أسألُ، متى يكون الدخولُ أرضاً…
لا طائلَ من خروجٍ معمّرٍ
وعودةٍ أضاعتْ مفاتيحَ المكان
والجهاتُ الأربع أقدامٌ لعرشِ
أمير مطرود.
أدخلُ
ذراعاي تعتصرانِ عمراً
كغسيلٍ ناقعٍ في طشت
خلفي باريس
كوميديا عربية تعرض دون انقطاع
منذ عشرات السّنين، فصلاً مأساوياً
لأمّةٍ في حفلةٍ تنكّرية
يُكشّرُ فيها المدعوون عن أنياب ومخالب
لا تعرفها الوحوش.
أدخل مسقط “عُدوليّةٌ” جاهليّة
من سفين طرفة بن العبد
تعودُ إلى مرساها على شاطئ عُمان
وقد أفرغتْ حُمولتها من اللبان والعود
والقصائد العمودية في أسواق ولغات
العالم الحديد
بعد أنْ فاض بحرٌ استوائي على حين غرّة
كان معلّقاً على جدارٍ في غرفة نومي
فهُرعتُ من سريري إلى مراكب النجدة.
أحتفي بمتاهٍ مدلّل
أقتفي آثارَ سنبلةٍ لم تصرْ خبزاً
في وادي الرافدين
أرافقُ شعاعاً قمرياً فوق كروم بعلبك
إلى معبد باخوس
أتمرأى في حدقةٍ بلّورية
لحيوان أحفوريّ على جبلٍ يمنيّ
من بحار جفت بعد الطوفان
وأنام كحصاة على شاطئ في لا…
مسقط رأسي.
أدخلُ
تمثالٌ بوذي مهشمُ الرأس
بقذيفة هاون
أطلقت عليه أيّام الخلفاء الراشدين
وهو يعود اليوم إلى معبد بلا سقف
لا زجاج ملون
ولا أوشحة برتقالية.
مُشرعاً كلّ الابواب
بيني وبيني
أرتطم بصخور شاطئية
قنينة طافية أودعَ في جوفها غريق
حشرجةً مُوقّعةً باسمي
أتعلمُ المشي عارياً كموجة
مزدحماً بنسياناتٍ ومهاوٍ
وقد أدركتُ أنّ الوصول هو المفردةُ الخطأ
التي تملأ قواميس الرحيل والإياب.
منذ اكتشاف الحدود والمنافي
أمضي بخطىً خارجاً
تظلّلني سماءٌ
بأقمارّ كأوثانٍ مهشّمة
تحنو عليّ نُسوةٌ متشحاتٌ بالسواد الأعظم
وطفولةٌ تتدلى من عنقي
كطائرٍ مشنوق.
أدخلُ مسقط
مخطوطةٌ قديمةٌ محظورة
لم تُحقّق بعد
مسوّدةُ ديوان لقصائد نثر
غير مقروءة
وتقويم لسنوات آتية لن أعيشها.. أبحثُ عن لؤلؤة سحرية
أبحثُ عنها في ليالي الخرافة والجدات
اللؤلؤةُ نائمة في بحرٍ نائمٍ في لؤلؤة..
في موعد قطعتهُ مع نفسي
قبل خمسة وستين عاماً
أرى المدينة تتكوّر مثل رُمانةٍ مفلوعة
في ظهيرة صيف
والبحرُ تمرين لانهائي
لكائنات مفتونةٍ بإيابٍ وغروب
من الدّاخل؟
كيف اختلطت البوصلة
ببُؤبؤ عيني اليسرى
اشتبكت الرّؤيةُ بالرّؤيا
وجئتُ المكان الذي أنا فيه.
- شاعر من العراق
Comments are closed.