“اللغة عِلماً”: تعريب منابع الفكر اللساني
لا شكّ أن اللسانيات قد أخذت موقعاً أساسياً في خارطة المعرفة في العالم العربي، كما في كلّ ثقافات العالم، غير أن العديد من النصوص المرجعية قلّما كانت مقروءة بالعربية مباشرة.
في كتاب صدر مؤخّراً عن دار “شهريار”، بعنوان “اللغة عِلماً: مقالات في منهجية عِلم اللغة”، انتقى الكاتب والباحث العراقي سعيد الغانمي وترجم مجموعة من النصوص النظرية التي تمثّل الروافد التي نهلت منها المباحث اللسانية المعاصرة.
يعود الكتاب إلى بدايات القرن العشرين، تحديداً إلى دروس عالم اللغة السويسري فردينان دي سوسير، والتي معها بات الفكر اللغوي أحد أنشط مناطق البحث، وصار بمرور العقود رافداً أساسياً لحقول معرفية كبرى مثل الفلسفة والعلوم العصبية.
عند التوقف مع دي سوسير يبيّن الغانمي انتقال اللسانيات من المحاولات المتفرّقة لدراسة المشترك بين اللغات القديمة والحديثة إلى البحث عن القوانين الناظمة للّغة، وهي الخطوة التي قطعها دي سوسير.
ينفتح الكتاب أيضاً على التوسّع الذي شهدته المباحث اللسانية، حيث يترجم الباحث العراقي أحد النصوص المرجعية لعالم الأنثروبولوجيا إدوراد سابير حين تناول مكانة اللُّغة في تكوين المنظور الثَّقافيِّ للعالم عند الناطقين بها.
نقرأ من تقديم الكتاب: “حين نصف اللُّغة بأنَّها مجموعة من القوانين المتدفِّقة عفْوَ الخاطر، فهذا يعني وجود قوانينَ تراكمت بفعل الزَّمن، وبالإمكان دراسة اللُّغة بتتبُّع نموِّ هذه القوانين، أي بالنَّتيجة بدراسة اللُّغة دراسةً تاريخيَّة. لكنَّنا نعرف أنَّ الاستعمال اللُّغويَّ يوجد دائماً في الحاضر وبلا ذاكرة. وبالتالي فاللُّغة من حيث هي وسيلة للتَّواصل تعتمد على الحاضر، لا على التاريخ. وهكذا تخضع اللُّغة لنوعين من القوانين؛ هما القانون التَّزامنيُّ، الذي يدرس اللُّغة بعد تثبيتها في نقطة زمنيَّة واحدة، والقانون التَّعاقبيُّ، الذي يدرس اللُّغة ويتابعُها عبر التَّغيُّرات التاريخيَّة التي تطرأ عليها”.
بغداد
Comments are closed.